فلسطين أون لاين

محاولة اغتيال وفد حماس في الدَّوحة... ما دلالاتها وماذا بعد؟ محلِّلون يجيبون

...
محاولة اغتيال وفد حماس في الدَّوحة... ما دلالاتها وماذا بعد؟ محلِّلون يجيبون
متابعة/ فلسطين أون لاين

لم تمر الغارة الإسرائيلية على العاصمة القطرية الدوحة، التي استهدفت اجتماعًا لوفد حركة حماس المفاوض، كحدث عابر. فالعملية، بحسب التحليلات الأولية، كشفت عن انتقال الحرب من جغرافيا غزة إلى قلب العواصم العربية، لتفتح الباب أمام تساؤلات خطيرة حول مستقبل المفاوضات وأمن المنطقة برمّتها.

وقال الكاتب والمحلل السياسي د. إياد القرا إن استهداف وفد حركة حماس المفاوض في العاصمة القطرية الدوحة يمثل "مقامرة إسرائيلية خطيرة" تنقل ملف الأسرى من الطاولة السياسية إلى الميدان العسكري، وتضع مستقبل المفاوضات برمته تحت النار.

وأوضح القرا أن قطر، باعتبارها الوسيط المركزي، باتت أمام سيناريوهات متعددة تبدأ من التصعيد الدبلوماسي عبر استدعاء أو طرد ممثل الاحتلال وتجميد قنوات الاتصال، مرورًا بخيار قطع العلاقات إذا أرادت الرد بحزم على انتهاك سيادتها.

وأضاف أن الدوحة قد تعيد النظر في دورها الوسيط أو تلوّح بالانسحاب من ملف التفاوض، كما يمكنها تحريك الملف عبر المنابر الدولية لتأكيد أن ما جرى هو اعتداء مباشر على دولة ذات سيادة، بما يحرج الولايات المتحدة الحليف الأقرب لها.

وبيّن القرا أن الرسالة الإسرائيلية مسّت صميم ملف الأسرى، ما قد يدفع حماس إلى نقل الملف إلى كتائب القسام للتعامل معه ميدانيًا، أو تجميد المفاوضات إلى حين دفع الاحتلال ثمنًا سياسيًا أو ميدانيًا.

وأشار إلى أن الأخطر هو أن تعطي الحركة تفويضًا لقياداتها الميدانية للتصرف بملف الأسرى دون التعامل معه كورقة سياسية، بعد أن بات واضحًا أن إسرائيل لم تعد تكترث به.

وأكد القرا أن العملية تعكس "إقرارًا بالعجز الإسرائيلي"، حيث لجأ نتنياهو إلى المقامرة بعد فشله في غزة وعجزه عن الرد على عملية القدس الأخيرة. وأضاف أن هذه الخطوة تُضعف ملف الأسرى وتُجرّده من بعده الإنساني، ما يفقد الاحتلال ورقة تفاوضية حساسة.

واستحضر القرا تجربة محاولة اغتيال خالد مشعل عام 1996، التي انتهت بإجبار إسرائيل على إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين تحت ضغط قطر، مشددًا على أن تل أبيب باتت اليوم تعمل بلا قواعد، تضرب في الدوحة كما ضربت سابقًا في طهران وبيروت.

ينسف أي حديث عن جدية سياسية

فيما يرى المحلل السياسي أحمد الطناني أن ما جرى يؤكد غياب أي نية أمريكية أو إسرائيلية للدخول في عملية تفاوضية جادة. فواشنطن، بحسب قراءته، لا تستخدم المفاوضات إلا كأداة استدراج وتخدير، وصولًا إلى الاغتيال.

ويضيف الكاتب، عبر صفحته على الفيسبوك، أن استهداف الوفد المفاوض أثناء نقاش مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ينسف أي حديث عن جدية سياسية، ويحوّل المفاوضات إلى "غطاء لعمليات تصفية".

ويشير الطناني إلى أن هذا النمط ليس جديدًا، بل امتداد لسياسة قديمة، إذ اغتيل حسن نصر الله وهو بانتظار رد على عرض تفاوضي، كما تعرضت إيران لضربات مباشرة قبل عقد جلسات تفاوضية. واليوم تُكرَّر القصة مع حماس.

برأيه، فإن النتيجة المباشرة لهذه العملية هي سقوط آخر ما تبقى من المصداقية التفاوضية، حيث لم يعد على الطاولة سوى "فض مجالس" ومزيد من الشرعنة للعدوان والإبادة.

عدوان بلا خطوط حمراء

أما المحلل السياسي رامي أبو زبيدة فذهب إلى بُعد آخر، معتبراً أن العدوان الإسرائيلي تجاوز كل الخطوط الحمراء. فمحاولة الاغتيال في الدوحة ــ كما يقول ــ تعني أن الاحتلال لم يعد يرى في أي عاصمة عربية منطقة محظورة، وأنه يوسّع دائرة المواجهة لتشمل الأمة بأكملها، لا غزة وحدها.

ويحذر أبو زبيدة من أن "الدوحة اليوم، وغدًا قد تكون أنقرة أو بيروت أو أي عاصمة أخرى"، ما لم تتحرك الأمة لوضع حد لهذه "العربدة الصهيونية". ويضيف أن التغطية الأمريكية المباشرة للعملية تؤكد أن واشنطن شريكة كاملة في العدوان، وليست مجرد داعم خارجي.

ويشير إلى أن التجربة التاريخية مع حماس تثبت أن الحركة لم تتوقف عند خسارة قادتها، بل كانت دماؤهم وقودًا يمد المقاومة بصلابة جديدة. لكن الخطر الحقيقي، برأيه، يكمن في غياب رد عربي بحجم الحدث، وهو ما يفتح الباب لانتهاكات أوسع وأخطر.

ينسف أي أفق تفاوضي جدي

وفي قراءة أولية، اعتبر الكاتب والصحفي وسام عفيفة، أن ما جرى يمثل نقلة نوعية خطيرة في مسار الحرب المستمرة منذ عامين، إذ انتقلت المواجهة من شوارع غزة المحاصرة إلى قلب العاصمة القطرية، مركز الوساطة الدولية، لتوجّه إسرائيل رسالة واضحة مفادها: لا حصانة حتى لطاولة التفاوض.

بحسب عفيفة، فإن ما يبدو أنه "غرفة عمليات مشتركة" بين واشنطن وتل أبيب، بإشراف رون ديرمر وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، قد اختارت تحويل المسار التفاوضي إلى عملية اغتيال باردة. فالرسالة ليست فقط تعطيل الحوار، بل القضاء على إمكانيته من الأساس، عبر استهداف الوفد المفاوض مباشرة.

سياسيًا، يرى عفيفة أن استهداف وفد حماس خلال مناقشته للمبادرة الأميركية ينسف أي أفق تفاوضي جدي، ويؤكد أن الاحتلال يفضل إدارة الصراع عبر العنف والتصفية الجسدية بدل البحث عن حلول سياسية أو تسويات.

إقليميًا، فإن وقوع الهجوم في الدوحة ـ الدولة الوسيطة المحورية ـ يشكل تحديًا مباشرًا لسيادتها ولدورها الدبلوماسي، ما قد يشعل أزمة سياسية واسعة بين قطر وإسرائيل، وربما يعقّد جهود أي وساطات لاحقة في ملف غزة.

أما على المستوى الاستراتيجي، فإن استهداف قيادات الصف الأول في الخارج يفتح فصلًا جديدًا من المواجهة قد يتجاوز حدود غزة، ويجر المنطقة بأسرها إلى تصعيد مفتوح. فاغتيال قادة في دولة مضيفة وآمنة كان يُفترض أنها محايدة، يعني أن الحرب دخلت طورًا جديدًا بلا خطوط حمراء.

ويخلص عفيفة إلى أن ما جرى في الدوحة لا يمثل مجرد حادث أمني، بل حدث قد يسجَّل كنقطة انعطاف كبرى في مسار الحرب على غزة، وربما في أمن المنطقة بأسرها. فالدوحة التي وُصفت بأنها منصة الحوار والوساطة، تحولت فجأة إلى جبهة مفتوحة، ما يضع مستقبل المفاوضات والتسويات في مهب الريح.